هل يولد المجرم مجرمًا؟

الجميع يعتقد وببساطة أنّ  المجرمين عبارة عن أشخاص قرّروا بأن يصبحوا كذلك؛ لهذا لا يملك أيًا منّا تعاطفًا معهم، ويتمنّى الجميع أن يختفوا من الوجود.

لكنّ الأمر يصبح أشدّ تعقيدًا ممّا نعتقد حين نعلم بأنّه وفي قاعة يجلس فيها 100 شخص، يوجد 4 أشخاص يمكن تشخيصهم بما يدعى بـ “الشخصية المضادّة للمجتمع”، أو “الشخصية الإجرامية”.

فمهما كان مستوى استقرار المجتمع، أو تفوّقه في التعليم والصحة والاقتصاد، أو حتى الدخل، توجد نسبة ثابتة تقارب الـ 4% من سكانه يمكن تشخيصهم بهذا الاضطراب في الشخصية.

ويتمّ تشخيص هؤلاء بسمات شخصية يتشاركونها، وتلعب دورًا مهمًّا في ميلهم للجريمة، ومخالفة القانون. 

أحد هذه السمات اللامبالاة لمشاعر الآخرين، كذلك المواقف الكثيرة والمتكرّرة الدالّة على عدم تحمّل المسؤولية، والاستخفاف بالمعايير الاجتماعية، والقوانين، والالتزامات.

إضافة إلى عدم القدرة على الحفاظ على علاقات دائمة، على الرغم من عدم وجود صعوبة في إقامتها، وقلّة التسامح التي تخلق العدوانية، بما في ذلك العنف.

كذلك عدم القدرة على الإحساس بالشعور بالذنب أو الامتثال لأيّ عقاب، والاستعداد الملحوظ لإلقاء اللوم على الآخرين أو تقديم تبريرات معقولة للسلوك الذي قاد الشخص للانخراط في صراع مع المجتمع.

لا يتمّ إطلاق هذا التشخيص سوى على أشخاص تجاوزت أعمارهم سن الـ 18؛ الأمر الذي يقودنا إلى سؤالنا الأساسي، هل يتحوّل هؤلاء إلى مجرمين فجأة؟ أم أنّ الأمر كان مقدّرًا له الحدوث منذ الطفولة؟

في العادة يسبق هذا التشخيص تشخيص آخر يبدأ منذ الطفولة المبكرة، بعمر الثالثة أو الرابعة أحيانًا ويدعى “اضطراب المعارضة والتمرد”، وهو التشخيص الذي يتحوّل غالبًا إلى الشخصية المضادّة للمجتمع بعد سن الثامنة عشر.

يتشارك الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب أعراضًا تتمثّل في حدّة الطبع في معظم الأحيان وسهولة الاستياء، الغضب والمعارضة المتكررة، والميل إلى مجادلة الأشخاص الذين يملكون السلطة عليهم، أو مع الراشدين عند التحدّث عن الأطفال والمراهقين.

كذلك التحدّي والرفض بقوّة للامتثال لطلبات صور السلطة أو القواعد في أغلب الأحيان، أو إزعاج الآخرين عمدًا في أغلب الأحيان، وإلقاء اللوم على الآخرين بأخطائهم وسوء تصرفاتهم، أو التصرّف بحقد أو انتقام تجاههم.

وعلى الرغم من كلّ الجهد الذي يبذله الوالدان ، أو المدرسة، أو المجتمع، توجد نسبة عالية من هؤلاء ستنتهي إلى الإجرام بجميع أشكاله، كطريق وحيد لها.

لهذا يُعَدُّ السلوك في مرحلة الطفولة أحد أهمّ العوامل التشخيصية للاضطرابات المرتبطة بالشخصية الإجرامية، ويمكن من خلال تتبّع أعراض بسيطة التنبؤ بدرجة عالية من الصحة بأولئك الذين لديهم قابليّة عالية لانتهاك القانون.

الأمر الذي يدفعك للتساؤل: هل يملك أولئك الذين تمّ تشخيصهم بهذا الاضطراب ذنبًا في حدوث ذلك؟ أو تقع عليهم المسؤولية في الجرائم التي يرتكبونها؟

وهكذا يصبح السؤال أكثر تعقيدًا من أن أملك إجابته.

0 replies on “هل يولد المجرم مجرمًا؟”